الدولة والتخوفات غير الموضوعية
بقلم :إبراهيم أبو النجا
غزة –العهد- لعل من أكثر القضايا تناولاً من قبل المهتمين : سياسيين كانوا أو إعلاميين أو غيرهم :الدولة الفلسطينية في سبتمبر القادم .
بعض الكتابات تناولت الموضوع من زاوية صغيرة وضيقة جدا ودون الالتفات إلى أهميته على الصعيد السياسي خاصة بعد أوصدت السبل كافة في طريق المحاولات وعبر المؤسسات القومية والإقليمية والعالمية كافة لإحقاق حقوق شعبنا وفي مقدمتها :إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي التي ينحسر عنها الاحتلال وهو قرار فلسطيني مجمع عليه في المرجعيات والذي اكتسب صفة المطلب الشرعي عبر دورات المجلس الوطني المتعاقبة .ٍ
لم يترك الفلسطينيون باباً إلا وطرقوه وصولاً لتحقيق ذلك واستمع كذلك الفلسطينيون لنصائح الأشقاء والأصدقاء كافة عندما كانت الظروف الدولية غير ناضجة ؛وحرصاً على العلاقة مع هؤلاء جميعا :
أجلت عملية اللجوء للأمم المتحدة خشية قلة عدد الدول المؤيدة ؛وتحسباً من الخطوة أحادية الجانب وسبق وأن تناولنا هذا الموضوع في مقالات سابقة .ٍ
وعندما انقشعت التخوفات كافة وانطلقت حملة التوجه للأمم المتحدة كوسيلة أخيرة مدعومة بحشد كبير من دول العالم يفوق عدد ثلثي أعضاء الجمعية العمومية للأمم المتحدة, وحددت الجلسة القادمة لذلك , فقد خرج علينا من يسمون بخبراء في القانون الدولي يحذرون من هذه الخطوة متدرعين بالحرص على حقوق اللاجئين في العودة ,وبقية الاستحقاقات , وان المنظمة لن تعود موجودة على خريطة العالم السياسية . وان مشكلة ستبرز حول من يمثل الفلسطينيين . أهي الدولة ؟ أم المنظمة ؟ , ناهيك عن التهديد الأمريكي بقطع المساعدات عن السلطة وكذلك الاستنفار في الجيش الاسرائيلي .
كل هذه المواقف لم تكن غائبةً عن البال , فقد تناول الحريصون على هذا التوجه الفلسطيني الردود .
واذا كان الموقفان الأمريكي والاسرائيلي وموقف من خرج علينا بأقلامهم محذرين وذارفي الدموع على ضياع الحقوق التاريخية مفهوماً لدينا ومبرراً لاعتبارات كثيرة ومفهومة من قبل القارئين للتاريخ والعارفين بالوسائل والطرق التي تنال من خلالها الشعوب استقلالها وحريتها ,ولكن الموقف غير المفهوم هو أن تطل علينا بعض الدول الشقيقة بمواقف أشد خطورة من المواقف السابقة الذكر .
حيث تأخذ شكل التهديد وقد يصل الأمر الى قطع للعلاقات بطريقة تختلف عن العادية , ودون الخوض في التفاصيل المنوي اتخاذها وقد أصبحت معلنةً في ندوات ومؤتمرات ورسائل مباشرة إلا أننا لابد أن نقف عند القضايا التالية :
الخطوة أحادية الجانب : الى ماذا استند هؤلاء ؟ هل كان على الفلسطينيين أن ينتظروا المنحة الامريكية التي لن تأتي ما دامت العلاقة بين الادارة الأمريكية والكيان الاسرائيلي على هذا النحو والتي لن تتغير وغير مرشحة لأن تتحول .
ومن هي الجهة التي تتصرف وتقوم بعمل أحادي الجاني ؟ أليست اسرائيل التي لم تلتزم بأي اتفاق وقعت عليه ؟ أليست هي التي أعلنت قيام دولتها والذي كان قيامها مرتبطاً ومشروطاً بقيام الدولة الفلسطينية حسب القرار الأممي 181 ؟
أين إذن هؤلاء جميعاً من هذا السلوك الأمريكي والاسرائيلي ؟ أين الحرص على الشعب الفلسطيني ؟ أليس ذلك يصب في أن يبقى الفلسطينيون تحت الاحتلال وأن حقوقهم المشروعة ستسقط بالتقادم في ظل التمدد الاستيطاني والاعلان عن يهودية الدولة العبرية الخالصة من كل عنصر ليس يهودياً وما يترتب على ذلك من عمليات طرد وتهجير ؟
منظمة التحرير الفلسطينية والدولة : قبل قرار قيام الكيان الاسرائيلي أحادي الجانب وعلى حساب حقوقنا , كانت الوكالة اليهودية تضطلع بمهمة رعاية وتنظيم ومتابعة أوضاع وأحوال اليهود في العالم ليس ذلك فحسب بل بقيت بعد إقامة الكيان الاسرائيلي تمارس الدور ذاته وما جلب الاشخاص والمجموعات الجائعة من المجتمعات الفقيرة , والاغراءات الكبيرة لفئات معينة في المجتمعات المتقدمة وإقناعهم بالديانة اليهودية والعمل ضمن مجموعات سياسية (ما سمي باللوبيات اليهودية ) في كثير من دول العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية إلا من قبل الوكالة اليهودية التي لم تحل نفسها بعد قيام الدولة الاسرائيلية .
فكيف إذن ومن أين يأتي التخوف على منظمة التحرير الفلسطينية ؟
أليست حالتنا بحاجة الى أن تبقى المنظمة قائمة وحتى في ظل الدولة الفلسطينية ؟ لأن الفلسطينيين منتشرون في العالم أكثر من انتشار اليهود؟ فهي ستبقى تضطلع بمهمة الدفاع عن حقوق اللاجئين في حقهم في العودة , وإقامة التشكيلات السياسية والاجتماعية والنقابية ذات الارتباط الوثيق بالتاريخ الفلسطيني والأرض الفلسطينية وكذلك ستبقى حريصةً على أن يمثل ممثلو الفلسطينيين في المهجر في المجلس الوطني الفلسطيني عبر انتخابات حرة نزيهة والذي يضم في عضويته كذلك أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني على أرض الوطن .
نتطلع أن يتفهم هؤلاء أن المنظمة سيكون دورها أكبر وأشمل خاصةً في ظل إنجاز المصالحة الوطنية لأنها الصيغة التي نرد بها على كل من يرتجف متصنعاً الخوف على المنظمة .
الدولة في ظل الاحتلال : ليس من الفراغ أن يعلن الاسرائيليون تخوفهم وتهديداتهم والتي ليس لصالح الفلسطينيين ولكنها ستكون في وضع صعب أمام العالم لأن الدولة ستلزم العالم لأن يعود لبحث جذور المشكلة وأن الدولة ستكون في وضع تفاوضي أقوى من سلطة تحت الاحتلال وأن الالتزامات الدولية إزاء الدولة التي اعترفت بها ستضعها أما الاستحقاقات الحقيقية :نريد أن نذكر هنا : كيف كان الجزائريون يفاوضون الفرنسيين ؟ وكيف كان الفيتناميون يفاوضون الامريكييين ؟ وكيف كانت تفاوض أنغولا والمزمبيق ورودوسيا وغيرها من الشعوب المحتلة ؟
من هنا نقول : ما دام قيام الدولة الفلسطينية ليس مصلحة إسرائيلية , وليس مصلحة أمريكية , وليس مصلحة أولئك غير العارفين بتاريخ الأمة .
إذن هي خطوةً في الاتجاه الصحيح , وهذا يتطلب : من الفلسطينيين أن يوحدوا صفوفهم ومواقفهم وأن يحتشدوا حول الموقف الفلسطيني لنخرج بموقف واحد موحد , لأننا لسنا في زمن الحسابات الضيقة والصغيرة .فلننظر الى مصلحة شعبنا كل شعبنا .
والله الموفق