اللحوم المكشوفة وأُكذوبة "البكتيريا تموت بالغَلْي"!
بالتحديد عند تقاطع ثلاثة شوارع، حاول جزّاران بصعوبة تعليق قطعةٍ كبيرةٍ من اللحم أمام مدخل محلّهم على خطّافٍ صغيرٍ بنيٍّ صدئ.. ولما عجزا نظراً لكِبَر القطعة، تناول أحدهما حجرا بيده العارية، ووقف عليه مثبتا القطعة على فخده، فتلامست ومعطفه القذر..
ولما انتهيا من تعليقها أمسك صاحبنا ذاته سكينا طويلة جدا، وبيده التي أمسك بها الحجر، ثبّت قطعة اللحم، ثم أخذ يقطع منها ويرمي "القِطع" فوق طاولةٍ نظّفها زميله -قبل ثوانٍ فقط- بقماشةٍ بالية يميل لونها نحو السواد..
من غير المستبعد أن تتسبب هذه الملاحظات "الدقيقة" ببعض الملوثات التي قد تصيب اللحوم المكشوفة في محلات الجزّارين، بتغيير عاداتك الغذائية عزيزي القارئ.. فما ذكرناه مسبقاً لا يعدّ شيئاً مقابل "العوالق" من أتربة الشارع وعوادم السيارات والحشرات التي قد تجد "وجبةً دسمة" بكل سهولة لن تمنعها عنها "قطعة قماشٍ ممزقة تغطّي اللحم المعلّق..
يضيع بالغلي
وبالعودة إلى المحل المذكور، كانت تقف الحاجة أم محمد عليان بانتظار كيلو من اللحم أوصت لتوّها الجزّار عليه، أكدت لـ "فلسطين" أنها اعتادت على شراء اللحوم من –نفس المحل- منذ فترةٍ طويلةٍ جداً، "على الرغم من كون صاحبه يعرض بضاعته مكشوفةً في الواجهة، قائلةً :"لكنها جديدة ومضمونة".
وأضافت :"اللحوم الطازجة أفضل من المثلجة بأي حال، وطعمها أفضل بكثير، ولا يعيبها أن تُعلّق بهذا الشكل"، مستغربة سؤالنا عن مدى خوفها من تلوث اللحوم، مجيبةً :"الماء المغلي يقضي على أي بكتيريا، وبطبيعة الحال فإن اللحم لن يؤكل قبل طبخه".
واستدركت قائلة :"العيب ليس في اللحم المباع بل في موقع محل الجزارة، حيث يتيح الموقع الحيوي مقابل الشارع العام فرصةً لإصابة اللحم المعروض بالغبار والأتربة ودخان السيارات"، مضيفةً :"إذا كانت المحلات في مكان أنظف سيكون تنظيف اللحم من البكتيريا أسهل".
العيب ليس في اللحم المباع بل في موقع محل الجزارة، حيث يتيح الموقع الحيوي مقابل الشارع العام فرصةً لإصابة اللحم المعروض بالغبار والأتربة ودخان السيارات، وإذا كانت المحلات في مكان أنظف سيكون تنظيف اللحم من البكتيريا أسهل المواطنة عليان
"تقلب المعدة"!
أم محمد "المتمسكة بعاداتها الشرائية القديمة"، لم تُميز مدى التلوث الذي ستحمله قطعة اللحم التي أوصت عليها، بينما عبّر الطالب الجامعي قاسم البِش عن نفوره الشديد من اللحوم التي تعرض في واجهة محال الجزارة ", حيث يتجمع الذباب بصورةٍ "تقلب المعدة" على حد تعبيره.
وقال :"تحمل هذه اللحوم كل أمراض الدنيا، فهي عرضة لعوادم السيارات والغبار الذي تثيره حركة الناس، والهواء الذي يحمل الكثير من البكتيريا بطبيعته"، مكملاً :"للأسف بعض التجار يغلّبون مصلحة البيع على الصحة.. فيعرضون اللحوم مكشوفةً ومعلّقة في واجهة المحل لأن التجارة تحتاج إلى ذلك دون أي اعتبار لصحة المشتري أو الزبون".
وتساءل قاسم عن تقبل الناس لأكلها وعدم تخوّفهم من مرضٍ قد يصيبهم بسببها، أو حتى النفور منها، قائلا :"أتعجب من الذين يوصون على هذه اللحوم، ويُفضّلها بحجة أنها طازجة، فالمثلجة أفضل بكثير، إذ إنها تُحفظ في ثلاجات وإذا تلوثت تكون نسبة التلوث فيها قليلة".
شكلها ينفّرني
كان رأي قاسم قريباً من رأي حازم نصير الذي فضلَّ الخضروات على "اللحوم" التي يراها بشكلٍ يومي تتصدّر واجهات المحال التجارية مكشوفةً لكل ما هبّ ودبّ من مسببات التلوّث، وقال :"رغم أني من محبي اللحوم، إلا أن منظرها ينفّرني طبعاً، فلم أحاول يوماً أن اشتريها، بل آكلها بعد طهيها دون أن أفكر في تلوثها أثناء عرضها.. وفي هذه الحالة أفضل تناول الخضروات".
وزاد على ذلك: "هناك محلات تلتزم بشروط النظافة، ولكن أغلبها يعرض اللحوم بهذه الصورة، وقد رأيت العربات التي تنقل هذه اللحوم، وكيف تُعرّضها للهواء والغبار في الطريق وصولا إلى المحال".. معقباً باستهزاء :"هذا يدل على زيادة الوعي الصحي لدى كلٍّ من البائع والمشتري على حدّ سواء".
يخضع لفحوصات
وكمثال حي على المُقبلين على شراء اللحوم رغم رؤيتهم لها، قابلنا أسماء منصور التي اشترت "اللحم الطازج" لزوجها المريض قبل أن تبتعد عن المحل، تحدثنا معها، فأبدت استغرابها من سؤالنا الذي كان "هل تعرفين كم الملوثات التي تحملها قطعة اللحم التي في يدك؟".
تتسبب هذه اللحوم بالعديد من الأمراض كالسل والبروسيلا (الحُمى المالطية) والديدان الشريطية، والتي تصل إلى اللحوم المباعة عادة عن طريق الشرب والهواء الملوث والجروح في أجساد العاملين أثناء ذبحها وتقطيعها د.جودة
بعد زوال نظرة التعجب من وجهها، قالت :"هذه اللحوم مذبوحة في المسلخ، وهي بالتأكيد نظيفة، ويمكن قتل الميكروبات فيها بالغلي"، مضيفةً :"أشتري دائما من هذا المحل، ولم يصب أي من أبنائي بالأمراض أو التسمم، وأعتقد أن الحلال الذي يذبح، يخضع لفحوصات طبية، ويكون خالياً من الأمراض".
"السل" و"البروسيلا"!
وللوقوف على الرأي الطبي البحت في هذا الموضوع، قابلنا المدير الطبي لمستشفى "العودة"، الدكتور فضل جودة الذي أوضح أن اللحوم المكشوفة –وخصوصاً تلك المعرضة للهواء وعوادم السيارات- تُشكل خطراً كبيراً على صحة الإنسان.
وفصّل ذلك بالقول :"تتسبب هذه اللحوم بالعديد من الأمراض كالسل والبروسيلا (الحُمى المالطية) والديدان الشريطية، والتي تصل إلى اللحوم المباعة عادة عن طريق الشرب والهواء الملوث والجروح في أجساد العاملين أثناء ذبحها وتقطيعها".
شروط السلامة
ومن هنا لا بد للجزّار أن يأخذ –على محمل الجد- تنفيذ شروط السلامة المطلوبة وقايةً لصحة المشتري من الأمراض المذكورة، وأولها –كما أشار د.جودة- أن لا تعرض اللحوم مكشوفة قدر المستطاع في الهواء تجنّباً لتلوّثها بالبكتيريا والأمراض، إضافةً إلى الحفاظ على النظافة الشخصية للعاملين في مجال بيع اللحوم، والتأكد من تعقيم أيديهم، ونظافة ملابسهم وأظافرهم، "حتى أحذيتهم"، للتخفيف من أخطار انتقال الملوثات إلى اللحوم.
وشدد د.جودة على أهمية متابعة الجهات المسؤولة والمختصة لمحلات بيع اللحوم بغية ضمان شروط السلامة الصحيحة، والتأكد من سلامة الذبح والختم، لافتا إلى ضرورة وجود "ختم المسلخ" الذي يؤكد خلو الذبائح من الأمراض.
وتابع :"يمكن للإنسان العادي أن يميز تلوث اللحوم من لزوجتها غير الطبيعية، والرائحة التي تشبه رائحة الأسماك، أو ما يصطلح عليه عاميا بـ " الزناخة".
ولكن كمعايير صحية, فإن نسبة التلوث في اللحوم، تحتاج إلى فحص مخبري وأجهزة خاصة تكشف نسبة التلوث، والإنسان العادي غير قادر على التحقق منها".
ليست كلّها بالغلي!
ولفت الانتباه إلى عدد من الدراسات التي تقول إن اللحوم عرضة للتلوث أكثر في البيئة عالية التلوث، مشيرا إلى أن نسبة الحمولة الجرثومية المقبولة في كيلو لحمة تعادل مليوناً، ورغم عدم صِحيّتها إلا أنها تقبل، وإذا زادت عن هذه النسبة تكون مخالفة، وغير صالحة للاستخدام الآدمي.
وأكد أنه من الأفضل لصحة الإنسان أن تكون اللحوم خالية تماما من البكتيريا، مستدركا :"هذا ليس إعجازا، أو صعب الحدوث، إذ يمكن تحقيق ذلك إذا حفظت اللحوم في ثلاجات وخلافه".
وعن اعتقاد المشترين أن "البكتيريا" كلها الموجودة في اللحوم المكشوفة تُقتل بمجرد "غليها" أو تعريضها لدرجات حرارة مرتفعة، علّق قائلاً :"ليست كلّها.. فهناك أنوع من البكتيريا لا تقتل بالحرارة".
أعراض "السل" و"المالطية"
وفي إشارة منه لأعراض الأمراض التي يُمكن أن يصاب بها الإنسان حال تناوله لحوماً ملوثة, قال :"البيئة الملوثة في جو محال بيع اللحوم المكشوفة في قطاع غزة، تصلح لانتقال الأمراض، وأكثرها "البروسيلا" كما أوضحنا سابقاً.
مفصلا أعراضها بالقول :"أعراض الأمراض تكون حُمى وصداعاً دائماً، وارتفاعاً في درجة حرارة الجسم، وتعباً شديداً ونحولاً، يستمر علاجها 45 يوماً، ومن المحتمل أن تزيد المدة عند 15% من المصابين".
وعن مرض "الدرن" أو "السل" فأوضح :"أعراضه تتشابه والحمى المالطية (البروسيلا) ويزيد عليها قذف المريض للدم أثناء السعال الذي يتميّز بكونه جاف" ناصحاً بضرورة تفادي المشتري شراء اللحوم "المكشوفة"، والاتجاه إلى أكثرها "ضرراً" من المعروض في واجهات زجاجية تحقيقاً لمزيدٍ من الوقاية.
المصدر: فلسطين أون لاين