فلسطيني يحرق ابنه - نكملة الجزء الثاني
أطبق الصمت على المكان وكأني في لقاء مع أحد كبار تنظيم القاعدة، حارسٌ من هنا وآخر من هناك، الرجل (ع.ن) في الأربعينات من عمره يحشر نفسه في زاوية غرفة العلاج النفسي في مستشفى الطب النفسي بحي النصر، وينظر بشيء من التمعن ويتذكر ابنه الذي قتله بيده حرقاً.
المواطن (ع) الذي قتل ابنه حرقاً بالنار في مخيم جباليا للاجئين الخميس الماضي، تحدث وهو مدرج بالدموع التي وجد فيها ما يشفي غليله حتى وإن كان غير كافٍ ولا يعوض ما فقده ألا وهو فلذة كبده، تحدث وفي كلامه ما يدمي القلوب، فقال بصوت خافت' يا ريت الأرض انشقت وبلعتني ولم يحدث ما حدث'، وانقطع عن الكلام من شدة البكاء الذي طغى على صوته لعدة دقائق ثم تابع ما حدث بينه وبين ابنه (علي) بن الأربعة عشر عاما قبل ان يشعل النار في جسده النحيف البريئ. فقال :'لقد كان (علي) ساعدي الأيمن في العمل وكان كثير المساعدة لي مع أنه كان مشاغب وغلبوي بس أنا كنت معصب لمن روحنا من قطف الزيتون، وقلتلوا يلا نروح نقطف كمان مرة لعمتك، فردّ علىّ بديش أروح لأني تعبان كثير وبدي آكل، فاشطتُّ غضباً وقلت له في غير وعي والله بحرقك، فردّ علىَ ابنى احرقني ، فما كان مني إلا أن ذهبت لإحضار غالون البنزين دون أن أدري ما أفعل، وسكبتُ البنزين على رأس ابني حيث بدأ يهرب هنا وهنا، إلا انني ألقيت عليه سيجارتي فاشتعلت النار في جسده وأصبح كأنه في بحيرة من نار وبدأ يصرخ، وتجمع الجيران على صراخه في المنزل.
وتابع والحرقة في عينيه ويداه ترجفان ما ان اشتعلت النار في جسده وعلى صوته من الصراخ حتى ألقى بنفسه على الأرض في محاولة منه لإطفاء النار التي بدأت تأكل في جسده، ولم يستطع أحد من أشقائه وشقيقاته أن يقدم له المساعدة خوفاً مني، فأمسك (علي ) بجدته لتساعده فأصبتها النيران ولم تستطع أن تفعل له شيئاً لكبر سنها وأصيبت بحروق من الدرجة الثانية.
وتابع خرج الصبي إلى باب المنزل وأنا واقف في مكاني لم أحرك ساكناً حيث كان يلفظ أنفاسه الأخيرة لان النار نالت من جسده الهزيل الضعيف. إلى أن حضرت سيارة إسعاف وعدد من سيارات الشرطة إلى المكان واصطحبت عدد من الجيران ليروا الحادثة فيما أنا تم وضع الكلبشات في يدي واصطحبتني الشرطة إلى مركز جباليا.
المواطن (ع) بعد عدة جلسات علاجية بمستشفى الطب النفسي بمدينة غزة يعيش حالة من الهسيريا وحاول أكثر من مرة الانتحار الا انه يقظة الممرضين حالت دون تحقيق مراده.
وأعرب عن ندمه الشديد لما فعله من فلذة كبده، وقال ساعة شيطان وما كنت بوعي وأنا ندمان بشدة ولو بنفع أموت ويرج ابني علي لما أتأخر'، وتمنى أن تنشق الأرض وتبلعه اليوم قبل غدٍ.
وعن وضعه النفسي أوضح أحد الأطباء أنه كاد أن ينتحر عدة مرات لولا يقظة الممرضين.
وأوضح أحد الأطباء الذي تحفظ على ذكر اسمه، أن حالته صعبه للغاية وهو يهذي في بعض الأحيان ويضرب نفسه بالجدران المحيطة به، ويأخذ مهدئات ومسكنات حتى لا تتفاقم حالته الصحية والنفسية مع العلم أن عندما يأتي أحد لرؤيته يستوجب وجود حراس عليه حتى لا يقوم ببعض الحماقات التي لا تحمد عقباها ولعل الحادث السابق خير دليل على ذلك.
وأوضح أن حالته الصحية مرهونة بوضعه النفسي ونتخوف من فعل شيء بنفسه ولعل الذاكرة تضل تغزو فكره لذلك هو تحت المراقبة الدائمة في المشفى وإن شاء الله سوف تتحسن حالته.
بدوره قال المقدم م . ح :' أن عملية القتل حصلت مع سبق الإصرار من غير الترصد لأنه لم يكن مخطط لها من قبل لذلك يجب الأخذ بأن الجان كان متعمد قي القتل ولعله سوف يأخذ السجن مع الأشغال الشاقة من الناحية القانونية هذا وفي حال كان غير ذلك فهم أدرى بحالهم أي أهل الجاني والمجني عليه وهو الآن يرقد في المصحة النفسية حتى يتسنى معرفة الجديد عن حالته النفسية الصحية.
وأضاف أن مثل هذه الحوادث تنم عن حالات فردية وليس أن المجتمع الغزي مجتمع جريمة