اسم الكاتب : بقلم : صلاح صبحية
ها هو الرئيس الأمريكي أوباما وبعد انتظار دام حوالي الأسبوعين لخطابه الجديد الذي لم يأت بجديد سوى أنه صدى لما يخدم المصلحة الأمريكية الصهيونية في المنطقة العربية ، ومخطىء من كان يظن أن أوباما سيرسل بالترياق الأمريكي إلى بعض العرب المراهنين على دور أمريكا في الساحة العربية لينقذها مما هي فيه ، لأنّ أمريكا لا تريد أن ترى العالم العربي يخرج من أزماته ، بل تريد للعرب الغرق في مستنقع الاقتتال الداخلي وما واقع ليبيا اليوم إلا الدليل على ذلك ، وإنّ قراءة ما بين الكلمات وما بين السطور في خطاب أوباما نجد أنّ أمريكا لا تريد أن ترى نهوضاً عربياً إلا بالقدر الذي يفرضه الحراك الجماهيري العربي عليها ، فأوباما الذي يتحدث عن الحرية والديمقراطية والكرامة ويريدها لبعض العرب فهو يرفض هذه الحرية والديمقراطية والكرامة للفلسطينيين ، فهو لا يريد للشعب الفلسطيني أن يكون نسيجاً واحداً إذ كيف سيحكم الشعب الفلسطيني نفسه بنفسه بوجود حماس التي لا تعترف بإسرائيل ، بينما لا ير ى في الجانب الصهيوني هؤلاء الذين يصرون على المزيد من بناء المستوطنات في أرض الدولة الفلسطينية التي يريدها للفلسطينيين ، وكيف لا يرى أوباما هؤلاء الصهاينة الذين لا يريدون وجود الفلسطينيين غرب النهر ، وكيف لا يرى أوباما جنود الاحتلال الصهيوني وهم يمارسون القتل والاعتقال والتدمير والتخريب في أرض الدولة الفلسطينية لأن أوباما لايرى إلا ما يخدم المصلحة الأمريكية في المنطقة العربية ، وأوباما ومن خلال خطابه القديم الجديد يصرّ على وجود دولة قومية لليهود الذي يعني فيما يعنيه شطب قضية اللاجئين وبالتالي إلغاء حق العودة لأنه لايرى في القضية الفلسطينية سوى أنها مجرد نزاع ، نزاع بين طرفين ، أو نزاع بين جارين ، وليست صراعاً تاريخياً على وجود ، وجود الشعب الفلسطيني ، صراع قام على مبدأ استعماري بأن فلسطين هي أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ، وكأني بأوباما يجدد الوعد البريطاني لليهود بإقامة وطن قومي لهم على أرض فلسطين ويريد من الفلسطينيين أن يعترفوا ويقروا بحق اليهود بأن يكون لهم دولة يهودية خالصة على أرض فلسطين إذا أراد الفلسطينيون أن يكون لهم دولة على أرض فلسطين ، وهو يرى أن حل ما يسميه بالنزاع يتم بوجود دولتين لشعبين ، دولة تأخذ كل شيء مقابل دولة تعطي كل شيء ، ، دولة تأخذ السلام والأمن والأمان والأرض بما عليها من ماء وهواء ونبات مقابل دولة فلسطينية تكون دولة وظيفية في خدمة الدولة الأخرى ، مقابل دولة فلسطينية تأخذ دور الشرطي الذي لا تغمض له عين لا في الليل ولا في النهار من أجل أن تكون الدولة الأخرى دولة تعيش نهارها باطمئنان وتسكن ليلها بأمان ، دولة فلسطينية تؤمن العمالة الرخيصة بل والمجانية لتؤدي أعمالاً خدمية في الدولة الأخرى بحيث لا يـُرى في هؤلاء العمالة الفلسطينيين سوى عبيداً في سلطان الدولة الأخرى ، وأوباما يريد دولة الفلسطينيين دولة منزوعة السلاح لأنه يخشى على الصهاينة مجرد إنزعاجهم من رؤية السلاح في يد الفلسطينيين .
وأوباما الذي لا يرى إلا بعيون صهيونية لم يرى الأربعة عشر شهيداً ومئات الجرحى الذين سقطوا في يوم العودة ، عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي أخرجوا منها عام 1948 ، وكأنه لم يرى يوم الخامس عشر من أيار ، بل يبدو أنّ يوم الخامس عشر من أيار قد سقط سهواً من روزنامة أوباما فلم يرى حركة اللاجئين الفلسطينيين في مجدل شمس ومارون الراس وبيت حانون وقلنديا لأن أوباما لا يريد أن يرى الحقيقة كما هي على الأرض ، فأوباما يريد أن يرى الذي يجب أن يكون حسب ما يريد ويخطط ، أما أن يرى ما هو واقع على الأرض فلا يهم أوباما أن سقط مئات الشهداء الفلسطينيين وأن جُـرح الآلاف وأن أُعتقل منهم عشرات الألوف ، فالشعب الفلسطيني في نظر أوباما هم أعداد زائدة وفائضة عن استيعاب أرض فلسطين لهم فيجب أن يموتوا وينقرضوا خدمة للوجود الصهيوني على أرض فلسطين ، فلذلك فإنّ أوباما لم يتطرق في خطابه إلى الحراك الجماهيري الفلسطيني في يوم العودة متجاهلاً بذلك وجود نكبة الشعب الفلسطيني المجسدة بالاحتلال الصهيوني لفلسطين والمجسدة بوجود ملايين اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات اللجوء في الشتات ، لأنّ الحراك الجماهيري الفلسطيني لا يعبر في نظر أوباما عن حرية وديمقراطية وكرامة الشعب الفلسطيني المنفي من عقل أوباما ، وبالتالي فهو لم يتطرق إلى قضية اللاجئين المشطوبة من قاموسه السياسي كونه داخل البيت الأبيض الأمريكي ، بل مقابل ذلك لا حظ وجود حماس التي ترفض الاعتراف بحق الوجود لمشروعه الاستعماري على أرض فلسطين ، أي أنه يرى بأن الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت وبما أن الشعب الفلسطيني ليس ميتاً ويعرف الحقيقة كاملة فهو ليس جيداً وبالتالي لا يستحق الوجود في سياسة أوباما العنصرية .
ثم أنّ أوباما الذي قال أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول 2010 بأنه يريد أن يرى مقعد الدولة الفلسطينية في العام القادم ، أي أنه يريد أن يرى دولة فلسطينية في صيف 2011 بينما نراه اليوم يتراجع عما أراده في العام الماضي وهو يرى القيادة الفلسطينية ستتوجه إلى الأمم المتحدة من أجل الإقرار بوجود الدولة الفلسطينية ، إذ يعتبر التحرك الفلسطيني من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو تصرف من جانب واحد يؤدي إلى نزع الشرعية عمـا يسميه بـ ' إسرائيل ' وأنّ ذهاب الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة لن يأتي لهم بدولة فلسطينية ، فما هو المطلوب إذاً من الفلسطينيين في نظر أوباما سوى الخضوع للمشروع الأمريكي الاستعماري على أرض فلسطين ، فلا دولة فلسطينية ذات سيادة تحقق الكرامة والحرية والديمقراطية للفلسطينيين ، ولا وجود لقضية اللاجئين الفلسطينيين ، ولا حق للعودة لأي فلسطيني إلى فلسطين المحتلة عام 1948 لأنّ ذلك يقوض المشروع الأمريكي الاستعماري على أرض فلسطين ، هذا ما أراده لنا أوباما في خطابه ، ولا يوجد في خطاب أوباما ما يدّل على أنه يرى الحقيقة كاملة ، بل هو يرى الحقيقة بما ينسجم مع إقامة الوطن القومي لليهود على أرض فلسطين وإنّ كل الفلسطينيين يجب أن يكونوا عبيداً في خدمة هذا الوطن القومي الذي هو في حقيقته يؤمن المصالح الأمريكية في المنطقة العربية وفي منطقة الشرق الأوسط برمتها . فالحذر الحذر من الوقوع في المصيدة الأمريكية الجديدة التي تعمل جاهدة على إنجاز وعد بلفور بشكله النهائي والذ ي تعمل على استكمال حلقة النكبة من خلال التأكيد على يهودية المشروع الأمريكي الاستعماري في فلسطين ومن خلال شطب قضية اللاجئين وإلغاء حق العودة ، فهل ما قاله أوباما هو خطاب جديد أم مصيدة أمريكية جديدة ؟ 21/5/2011 صلاح صبحية
منقول