فلسطين تصنع الحدث وإسرائيل تتلقى
في علم السياسة هناك قاعدة تقول:بان السياسي الذي يصنع الحدث يجب عليه أن يحسن التعامل مع تداعياته,والسياسي الذي يقع عليه الحدث,يجب عليه أن يتلقي تداعياته.انطلاقا من هذه القاعدة سنمر على محطات في المسيرة الوطنية الفلسطينية التحريرية,والأحداث العسكرية والسياسية التي وقعت عبر هذه المسيرة,وسنسجل الأحداث التي وقعت على الفلسطينيين قيادة وشعبا,والأحداث التي صنعها هذا الشعب وقيادته,وكيف تعامل الفلسطينيين والإسرائيليين مع الحالتين ,والدروس والعبر من ذلك .لقد حفلت المسيرة الفلسطينية التحررية بجملة من الأحداث التي غيرت معالم الخارطة السياسية للمنطقة,منذ اللحظة الأولى التي تم الإعلان فيها عن انطلاقة الثورة الفلسطينية في العام 1965 ,وحتى اللحظة ,فقد حفلت المسيرة الفلسطينية بأكثر من حدث,فحدث الانطلاقة الفلسطينية (65)كان حدث صنعة الفلسطينيين شعبا وقيادة,اثبتوا فيه رفضهم للاستسلام للحالة الاحتلالية التي فرضها العدو الصهيوني في (1948),واستطاعوا بذلك الحدث أن يضعوا قاطرة الحق السياسي الفلسطيني على السكة الحقيقية ,وذلك بعكس ما أرادت إسرائيل له أن يكون حقا إنسانياً' إغاثياً'فحسب,والحدث الثاني الذي وقع على الفلسطينيين كان في العام 1968معركة(الكرامة),حيث أرادت إسرائيل من ذلك الحدث إبعاد القوة الفلسطينية الثورية عن خط المواجهة معها,ولتحقق نصراً سياسياً بذلك,إلا أن الثبات والصمود الفلسطيني,و النصر العسكري والسياسي والمعنوي والجماهيري الذي حققته الثورة الفلسطينية,و(فتح)-فلسطينيا وعربيا وإسلامياً...,قضى على الهدف الإسرائيلي,ومنعها من تحقيق نصرا سياسيا,واثبت بان القيادة الفلسطينية استطاعت أن تحسن التعامل مع نتائج ذلك الحدث,والحدث الأخر الذي وقع على الفلسطينيين,كان اجتياح إسرائيل لبيروت في العام 1982, ,حيث أرادت إسرائيل من خلال ذلك الاجتياح أن تقضي على البنية التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية ,إلا أن القيادة الفلسطينية وفي مقدمتها الراحل ياسر عرفات,وبحنكتها السياسية - تعاملت مع ذلك الحدث على الرغم من مرارته ,تعاملا حكيما ,حيث لم تعطي الفرصة لإسرائيل أن تحقق نصرا سياسيا على منظمة التحرير الفلسطينية,وهذا ما أعرب عنه الهالك 'شارون'صراحة'والعديد من القادة الصهاينة,فشارون 'الهالك'في مقابلة له مع راديو إسرائيل بتاريخ 23-11-1982,قال فيها إن إسرائيل دفعت ثمنا باهضاً في تلك الحرب ولم تقضي على البنية التحتية للمنظمة,أما اسحق رابين,فقد صرح في مقابلة مع صحيفة الفجر المقدسية يوم 7-4-1982,بان الحرب الإسرائيلية على بيروت عديمة الجدوى,ولم تحقق نصرا سياسيا لإسرائيل,وفي العام 1985 ,فقد وقع على الفلسطينيين حدث أخر ,وهو تدمير إسرائيل لمقر القيادة الفلسطينية في تونس,في محاولة لتحقيق نصراً سياسيا على القيادة الفلسطينية , إلا أن ذلك المخطط قد فشل بنجاة القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الراحل عرفات, أما في العام 1987 فقد صنع الفلسطينيين حدثا هاما ومفصليا في تاريخهم,وهي 'انتفاضة الحجارة',التي كان لها الدور البارز في إعلاء الصوت الفلسطيني,الرافض للاحتلال الصهيوني,وإيصال هذا الصوت إلى مجالس العالم الأممية ,وقد نجحت القيادة الفلسطينية في استثمار ذلك الفعل سياسيا,من خلال وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطينية في العام 1988,والتي تلاها الراحل ياسر عرفات على مسامع العالم,ليدشن بذلك ,وفي اقل من ثلاثة سنوات,مرحلة جديدة من مراحل الفعل الفلسطيني,الذي اشتركت في صنعة منظمة التحرير الفلسطينية, وتعاملت مع تداعياته بحكمة وحنكة,ألا وهي مرحلة 'مدريد' 1991واتفاقية 'اوسلو'1993,اللتين حولت فيهما منظمة التحرير الفعل العسكري والثوري الفلسطيني إلى حق فلسطيني سياسي ,على أرض الواقع ,وذلك من خلال دفع الإسرائيليين والأمريكان والغرب قاطبة بالاعتراف الرسمي بهذا الحق السياسي,إلا أن دراماتيكية الأحداث التي افتعلتها إسرائيل في انتفاضة 'الأقصى'2000,والتي أتت مع بدء العد التنازلي للفترة الانتقالية,المنصوص عليها في اتفاقية 'أوسلو'والتي كان من المفترض أن يتم الإعلان فيها عن الدولة الفلسطينية,ومع فشل المحاولات الإسرائيلية فرض الاملاءات والشروط السياسية على الراحل ياسر عرفات,في قمة 'كامب ديفد'الثانية2000,ومع دخول 'شارون'لباحات الأقصى الشريف, بينت بان إسرائيل أرادت أن تستعيد زمام المبادرة السياسية,وان تصنع حدثاً تُفشل فيه المد السياسي الفلسطيني المتنامي,إلا انه وفي مقابل ذلك,فان القيادة الفلسطينية أثبتت بأنها قادرة على المحافظة على زمام المبادرة ,والحفاظ على هذا الانجاز, وهذا المد ,وقادرة على صنع الحدث,الذي يفشل المخططات والمحاولات الإسرائيلية وحلفائها الأمريكان, الذين سعوا للإجهاز عليه,فالقيادة الفلسطينية وبفضل الدبلوماسية الحكيمة استطاعت أن تبقي الملف السياسي الفلسطيني في المحافل الدولية حياً وفاعلاً, ,إلا أن هذا الملف قد تعرض لانتكاسة في لحظة معتمة من تاريخ الفلسطينيين,فقد سجل هذا التاريخ بان الانقسام الفلسطيني الذي حدث في العام 2007, قد كان سببا وعاملا رئيسا في هذه الانتكاسة,ومنح الصهاينة فرصة استلام زمام المبادرة ,ومكنهم من صنع الحدث,والقيام بضرب غزة نهاية العام 2008,مطلع 2009,هذا بالإضافة إلى العديد من الإجراءات القمعية في الضفة الغربية والقدس, وأعطاهم الفرصة والذريعة للتهرب من استحقاقات السلام,ومنحهم هدية ذهبية لفرض الحقائق الجائرة على الأرض الفلسطينية,والفرصة للامعان في سياسة التهويد والتطهير بحق الشعب الفلسطيني, إلا أن القيادة الفلسطينية الحكيمة ممثلة بالسيد الرئيس محمود عباس'أبو مازن' وحركة فتح ,أبت أن يبقى الفعل والسلوك الصهيوني هو الطاغي على الحالة الفلسطينية,وأبت أن يكون الشعب الفلسطيني واقع على الدوام تحت الحدث الصهيوني,وقد عملت من اجل ذلك طوال الأربعة سنوات الماضية,على كل الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية,واجتهدت كثيرا باتجاه انجاز المصالحة ,وهاهي في القاهرة,ومن خلال الإعلان بالأحرف الأولى عن إتمام (المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية),ما بين حركتي فتح وحماس مساء الأربعاء الماضي 27-4-2011,على قاعدة الشراكة السياسية الفلسطينية الحقيقية, ها هي تصنع حدثا وطنيا عظيماً,وتسدد ضربة قوية وقاسمة للرهانات والابتزازات الصهيونية,ولعبهم على وتر الانقسام,
أما الحدث الذي لا يقل أهمية عن ذلك,هو الملف السياسي الفلسطيني في المحافل الدولية,هذا الملف الذي حاولت إسرائيل تغيبه طوال الفترة السابقة,,فقد استطاعت القيادة الفلسطينية بحكمتها وحنكتها السياسية والدبلوماسية استعادة زمام الفعل,وسحب بساط المبادرة من تحت أقدام الصهاينة,وإعادة تفعيل الملف السياسي الفلسطيني,ووضعه في مكانته الطبيعية, والاستعداد بعد المصالحة لاستحقاق'سبتمبر' القادم - إعلان(الدولة الفلسطينية),وهاهي الحكومة الإسرائيلية بالمقابل تنتفض غضبا على وقع ذلك الخبر,وعلى وقع خبر المصالحة الفلسطينية,وتستعد بكل قوتها السياسية والإعلامية والدبلوماسية لإفشال هذان الحدثان,لنطرح في ظل هذه الأجواء التساؤل المشروع, وفي مقابل هذا الحراك 'الحار جدا'وفي ظل هذه الظروف العصيبة التي يعلن فيها الصهاينة وحلفاؤهم الأمريكان حصارهم للفلسطينيين على ضوء حراكهم هذا ,هل يستعد الشعب الفلسطيني بكامل مكوناته السياسية والإعلامية والدبلوماسية لإفشال المخططات الصهيوامريكية؟,وهل هم على استعداد حقيقي وجدي للالتفاف حول قيادتهم ومساندتها بكل الوسائل؟ .الفلسطينيين جميعا اليوم أمام استحقاق وطني كبير,واختبار لمدى جديتهم تجاه إنجاح جهود قيادتهم السياسية ,فالتاريخ علمنا أننا بوحدتنا نعزز صمودنا,والتاريخ هذه المرة لن يرحم احد .
الكاتب-عبد المنعم إبراهيم
منقول