سوريا والجزاء من جنس العمل

سوريا والجزاء من جنس العمل



اسم الكاتب : بقلم \\ د. طريف عاشور
إن في هذا الكون قواعد وسنن ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ، ومن هذه السنن العظيمة ان الجزاء من جنس العمل ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، ولعل هذا المعنى ما أشار إليه ابن جبير حين قال له الحجاج : اختر لنفسك أي قتلة تريد أن أقتلك فأجابه : بل اختر أنت لنفسك يا حجاج ، فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها .

في الشأن السوري الذي اصبح الشغل الشاغل للكثير من الشعوب العربية ، يعيب اعلامهم ومناصروه ما يسموه التدخل العربي والاجنبي في شؤون سوريا الداخلية ، بل ان السلطة الحاكمة في سوريا حتى الان ، كانت ولا تزال تسيّر مسيرات مبرمجه تحمل عناوين ' نعم للتمسك بالقرار الوطني المستقل و' نرفض التدخل الخارجي في شؤون سورية الداخلية ' فسوريا اليوم تنكر على العرب التدخل في شؤونها الداخلية ، كيف لا وهي لم تتدخل ابدا في اي شأن من شؤون الامة العربية ، لا في فلسطين ولا في لبنان على وجه الخصوص ، ولم تكن عامل هدم وتخريب فيهما ولا يزال اثر تدخلها الضار ماثلا للعيان .

في الشان الفلسطيني وهذا ما يعنينا ، لم تتخل دمشق يوما عن حلمها بوضع يدها على المقاومة الفلسطينية حتى تكون فلسطين مثل ما فعلت بلبنان مجرد ورقة تساوم عليها في التجاذبات التي تحدث في منطقة الشرق الأوسط ، لذا نرى هذا الكره الشديد الذي حمله النظام السوري على ياسر عرفات وعلى حركة فتح بوجه الخصوص ، ووجد ضالته وللاسف في بعض القوى اليسارية ومن ثم الاسلامية كي يحاول من خلالها التدخل في شؤوننا الداخلية .

النظام السوري لم يستوعب معنى القرار الفلسطيني المستقل الذي رفعته منظمة التحرير الفلسطينية ، فكان يجن جنونه من حركة فتح وهي تأخذ زمام المبادرة وتحصد النجاح تلو الاخر ، وهو لا زال في تعبير اضحكى كاريكاتيريا ينتظر الزمان والمكان المناسبين للرد ، فبعدما وعلى سبيل المثال لا الحصر افلحت الحركة بتلقين العدو درسا تاريخيا في معركة الكرامة بعدما هزم العرب مجتمعين في ما سمي بالنكسة ، وعلى اثر الانتصار خروج نصف مليون مصري يهتف لفتح ، وتجمهرعشرات الاف الشباب العربي من اجل الانخراط في الحركة ، وجد النظام السوري المبدع بالشعارات بحركة فتح خطرا استراتيجيا ، وبدا حربه ضد المقاومة الفلسطينية وزج معظم قادتها بالسجون ، بل ومن شده حقده الدفين ، خرج بعدها حافظ الاسد بكل وقاحة في احدى خطاباته بمؤتمر لحزب البعث وشتم رمز ثورتنا ابو عمار قائلا : 'من يولد جرذا يظل جرذا ، ليرد عليه شهيدنا ابو عمار في اقرب مناسبة بعدها : أسد في لبنان وفار في الجولان .

اما من يسمى بالعماد مصطفى طلاس فخطب في بعلبك شرقي لبنان وابو عمار في البيت الابيض يقارع الامريكان ، وتلفظ بكلمات عن الشهيد ابو عمار مشبها اياه براقصة الستربتيز، بل وتعدت وقاحته وهي مسجلة بالصوت والصورة بأن خاطب ابو عمار : يا أبن ستين ألف ..... لاتلد القحبة إلا قحباً ، ولنا ان نسأل اليوم ، اين ابو عمار واين مصطفى طلاس ؟ الجواب بسيط ، ابو عمار ارتقى للخلود شهيدا من شهداء القدس بعدما طلب من خالقه ذلك بصدق ، فلبى له النداء ، اما طلاس فأخر ما روي عنه منذ اسابيع قليلة - وهو ابن الرستن في محافظة حمص التي تتعرض الى مجزرة منظمة من النظام - انه اتصل بمحافظ حمص شاكيا من وجود حاجز أمام بيته قائلا : نحن معروفون فلماذا يوجد هذا الحاجز فرد عليه المحافظ : أنت الآن مواطن سوري عادي 'حقك فرنك و نص' و طبق السماعة في وجهه ، فاتصل طلاس بإبنه اللواء مناف وهو لواء في الفرقة الرابعة بالجيش السوري وقص عليه ما حصل ، فأخذ نجله عناصره إلى محافظة حمص ودخل إلى مبنى المحافظة وكسر المكاتب ودخل إلى مكتب المحافظ وضربه ضرباً مبرحاً عند ذلك اتصل المحافظ ببشار الأسد وأخبره ماذا جرى فأصدر بشار قرارا بإقالة مناف مصطفى طلاس من الفرقة الرابعة ، فاصبح الاب وابنه في نهاية خدمة عبودية مخزية بسعر ثلاث فرنكات صدئة ، ما كسبوا لا ابناء شعبهم ولا قيادتهم، فبئسما خاتمة .

عودة الى النظام الذي لا يحب من العرب التدخل في شؤونه ، فلنا اليوم ان نذكره بمجزرة تل الزعتر ، حيث القذائف والصواريخ التي كانت كالمطر بلا انقطاع من الفجر إلى المغيب وعلى مدى اثنان وخمسون يوما متتالية ، قدر فيها عدد القذائف التي سقطت على المخيم والذي التجأ إليه 20 ألف فلسطيني و15 ألف لبناني مسلم بحوالي 55000 قذيفة ، ، هذا بعد أن قطع الماء والكهرباء والطعام مماجعل الأهالي يأكلون الكلاب خوفاً من الموت جوعاً ، هذا الاسد الذي قتل مع الكتائب في تل الزعتر الالاف ، هو ذاته عاد ووقف مع الدروز ليقتل المسيحيين ، ومرة أخرى وقف مع جماعة أمل الشيعية ليقتل الدروز ، ثم وقف مع العلويين والشيوعيين ليقتل المسلمين السنة في طرابلس ، وهكذا ، أما الشيعة من جماعة أمل وحزب الله فقد كواهم بناره أكثر من مـرة ، حتى يتضح للواحد أن مهمة سوريا كانت في لبنان هي القتل وليس الحماية ، فلم ينج من رصاصه أحـد .

هل نسي نظام الاسد المتباكي على الشؤون الداخلية دعمه لسعيد مراغة (أبو موسى) في الانشقاق عام 1983 مع موسى العملة (ابو خالد العملة) عندما اعلنوا ما سمى انذاك الحركة التصحيحية في فتح والتي عرفت لاحقا باسم فتح الانتفاضة ، بعدما انضم نمر صالح (أبو صالح) وسميح ابو كويك (قدري) في دمشق ثم زياد الصغير وواصف عريقات ومحمود عيسى وغيرهم من كبار الضباط ، هؤلاء الذين لجأوا بأوامر سورية للتصعيد العسكري حيث هاجموا قوات فتح بدعم من دبابات الجبهة الشعبية- القيادة العامة ، واحتلت القوات السورية معسكر حمّورية ومواقع فتح في البقاع ، وحاولت اغتيال ابو عمار ثم قامت بطرده مع خليل الوزير ليظهر في طرابلس ولتبدأ الحرب السورية الليبية مع المنشقين على المنظمة وفتح حيث انتهت بان غادر ابو عمار والقوات الفلسطينية طرابلس بحرا إلى القاهرة .

هل نذكر القيادة السورية بما سمى الفصائل العشرة ، تلك الحركة التي قامت بها دمشق من اجل سحب البساط من منظمة التحرير الفلسطينية وخلق جسم بديل لها ، ودعمتها بكل وقاحة ووفرت لها كل ما يلزم لانجاحها ، الا ان وعي القيادة والشعب الفلسطيني احبطت تلك المؤامرة في مهدها ، اليس هذا تدخلا في شاننا ؟
هل نذكر سوريا بحصار المخيمات في لبنان ، وعشرات ان لم نقل مئات الالاف الشهداء الذي ارتقوا الى بارئهم يشكون له كيف ان النظام العربي قتلهم وهم انخرطوا متطوعين لحرب اسرائيل لا الاشقاء العرب .

كل ما مضى ويزيد ولم نذكر حرب القيادة السورية على لبنان وانتهاك السيادة تحت حجة الوصاية واغتيال زعماء لبنان وعدد كبير من قادته ، وهنا ايضا نحن لم نتحدث عن الدم السوري الذي اريق مئات الالاف منه في العام 1982 في حماة وغيرها بعدما تفاخر رفعت الاسد انه لم يبق اي مأذنه قائمة تذكر الله ، فلربما ذاك شان سوري داخلي .

هل لنا ان نذكر القيادة السورية ، ان لها ارضا محتلة في الجولان وفي الاسكندرونه ، وان الدبابات التي اخيرا شاهدناها بعدما انسحبت من حصارنا في لبنان ، كنا نتمنى ان نشاهدها على حدود العدو المغتصب .

هل نذكر قيادة دمشق ان لنا معتقلين في سجونهم بالمئات ولا نعلم عنهم شيئا ، احياء ام شهداء عند ربهم ، دفنوا ام ذوبوا بالاسيد ، واخرهم الصحفي مهيب النواتي الذي انضم الى قافلة طويلة وطويلة جدا من المفقودين على الرغم من انه يحمل جنسية دولة اجنبية .

ولكن وعلى الرغم من قساوة كل ما سبق ، علينا كشعب فلسطيني ورغم بشاعة توغل القيادة السورية في دمائنا وقتلها منا اضعاف ما قتلت اسرائيل ، الا اننا لا نتمنى لسوريا الشعب والارض الا الخير كل الخير ، فكل ضحية على التراب السوري هي خسارة لنا نحن الشعب الفلسطيني ، وان اي تدخل اجنبي سوف يعمل على صوملة سوريا نحن بالقطع ضده ، وندعو الله عز وجل ان يحمي شعب سوريا وتراب سوريا ، وان يختار لهما الافضل ، وان تعي القيادة الحالية ان زمن القمع والقتل والدمار وافتعال المجازر كما العام 82 ، هو ليس كهذا الزمن ، وانه ان لشعب سوريا ان ينعم ولو بالشيء المعقول من الحرية والازدهار بعيدا عن العقلية العكسريتارية التي لا تزال تحكم هناك .


منقول