شارع فهمي بيك مازال محتفظا بقيمته التراثية والحضارية إلى الآن

شارع فهمي بيك مازال محتفظا بقيمته التراثية والحضارية إلى الآن


نه من أشهر شوارع قطاع غزة ، له تاريخ عريق يفوح منه عبق الماضي ، يمتلئ بالمارة على مدى النهار والليل ، وعندما تتوجه إلى المارة بالسؤال عن اسم هذا الشارع ، فيجيبك بلا تحفظ أو تفكير انه شارع فهمي بيك ، يذكر اسم الشارع ويمضى مسرعا ليقضى مشواره الخاص ، فذلك الشارع الضيق القصير الذي يصل بين ساحتي السيد هاشم بن عبد مناف و قبره شمالا وبين ميدان فلسطين أكبر ميادين غزة هاشم وأشهرها جنوبا لم يكن ذلك الشارع يبعد عن سباط المفتي (جد أبيه لفهمي بك) سوى أمتار قليلة ، ولعله الشارع الوحيد في غزة الذي لم يتغير مساره ولا زال يحمل عبق السنين الخوالي، حيث نسأل الله أن تعتني بلدية غزة به و بما تبقى من تراث المدينة القديمة حتى لا يصبح أثرا بعد عين ،فمن هذا الرجل الذي سمى هذا الشارع على اسمه ومازال يحمل نفس الاسم ليومنا هذا .

وللتعرف عن هذه الشخصية وما قدمته لفلسطين عامة وغزة بصفة خاصة ، إليكم التقرير التالي :
من هو فهمي
إنه فهمي بك الذي كان من أوائل الذين أوقفوا الزحف الاستعماري الصهيوني علي الأراضي الأميرية (الحكومية) عهد الانتداب البريطاني ، وقام بتقسيم أراضي الحكومة وبيعها للغزين بأسعار زهيدة ، وليحبط بذلك مؤامرة كادت تودي بغزة إلى كارثة كبيرة وأن تضمها إلى الأراضي التي اغتصبت عام 1948 .

مولده وحياته وتعليمه
ولد فهمي الحسيني في مدينة غزة سنة 1886 في زمن الخلافة العثمانية وتوفي في 25 ديسمبر1940 م , وكان شخصية وطنية وقانونية مميزة ، له العديد من المواقف الوطنية,وقد ترجم وشرح مجلة الأحكام العدلية (القانون المدني العثماني)التي مازالت حتى الآن المرجع الأساسي للقانونيين في مدينة غزة.
فقد درس القانون في اسطنبول عاصمة الخلافة العثمانية أن ذاك.

وعندما رجع إلى وطنه كانت غزة قد خرجت من الحرب العالمية الأولى مدمرة فأعاد اعمارها فقد بني المدارس وشق الطرق وأنار الشوارع ، ومن أعماله الوطنية كما أسلفنا سابقا ، انه قام بتقسيم الأراضي المحيطة بمدينة غزة التي كانت عبارة عن كثبان رملية وبيعها بأسعار زهيدة للمواطنين العرب حتى يمنع الاحتلال البريطاني من منحها للمستوطنين القادمين من الدول الأوروبية المدعومين من الوكالة الصهيونية, وهى التي حلت أزمة السكان في غزة التي تضاعف عدد سكانها أضعافا عن سابق العهد .

أهم الانجازات الواقع
يعتبر فهمي بيك عملاق المحاماة في فلسطين تعلم القانون فنبغ فيه ، وعاد بعد التخرج إلى غزة فتم تعيينه عضواً في محكمة الأراضي بنابلس ثم عمل مدعياً عاماً ثم استقال ، وعمل في المحاماة وعين فيما بعد حاكم صلح في نابلس ثم عين عضواً في المحكمة المركزية للواء الشمالي ثم استقال بعد فترة ورجع إلى المحاماة . ولم يقتصر عمله علي مزاولة المحاماة بل أصدر مجلة الحقوق في الأول من كانون الأول (ديسمبر) عام 1923 وكان رئيساً لتحريرها ، كما أصدر جريدة صوت الحق في 6 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1927.

وكما قام بترجمة وشرح مجلة الأحكام ( لعلي حيدر) والتي نقلها إلى اللغة العربية بلغة قوية وبأسلوب أدبي رائع .

ترشح لرئاسة بلدية غزة . وفي تاريخ 5/5/1928 نجح في أن يتولى رئاسة بلدية غزة ومعه 11 عضواً ، وكانت تلك المرة الأولى التي يتم فيها تعيين رئيس بلدية بالانتخاب ، فأخذ يعمل بهمة جبارة قلبت مدينة غزة من حال إلى حال ، ولو أردنا أن نحصي الأعمال التي قام بها لضاق بنا المجال ولكن سنذكر أهمها:

* عمل على إنشاء مشروع المياه والذي كان له الأثر الأكبر في بناء مدينة غزة الجديدة ، قام بفتح مدرسة البلدية للإناث والتي تضم عدداً كبيراً من الإناث،. قام بإتمام إنشاء المستشفي البلدي ،. إنشاء منتزه بلدية غزة ، إنشاء دار جديدة للبلدية في شارع عمر المختار ، بناء سوق كبير ونسلخ علي الطراز الحديث، إضاءة المدينة بالكهرباء عام 1938 حيث تم الاتفاق بين المجلس البلدي وشركة كهرباء فلسطين علي إضاءة غزة بالكهرباء .
ومن الناحية السياسية فقد اختار العمل مع حزب الإصلاح ، ولكن أعمال المحاماة ومسؤوليات بلدية غزة استنفذت جل وقته ونشاطه .


أشهر شوارع غزة

ومن الجدير بالذكر أن مدينة غزة كانت قد خرجت بعد الحرب العالمية الأولى مهلهلة متداعية البناء ، فقام السيد فهمي الحسيني بشق الطرق وتوسيعها وهذا ما ألبس المدينة حلة جديدة وجعل حركة المرور في سائر المدينة سهلة للغاية ، ونذكر من هذه الشوارع ( شارع

الإمام الشافعي – شارع السرايا- شارع جمال باشا وهو شارع فهمي بيك سابقا – وشارع فراس.( وفي عهده أيضاً تم افتتاح شارع الشيخ المجاهد عمر المختار وتوسعته بعد أن كان ضيقاً متعرجاً ينتهي في الغرب بمقبرة كبيرة .
وهنا نسجل أن فهمي بك الحسيني كان قد ضرب مثلا أعلى بتسميته أكبر الشوارع في غزة وأهمها باسم الشهيد العربي المعروف عمر المختار رغم احتجاج القنصلية البريطانية آنذاك علي هذه التسمية .

مشروع الكثبان الرملية
ومن الجدير ذكره أن من أهم الأعمال والإنجازات التي قام بها الحسيني هو مشروع تقسيم الكثبان الرملية (غزة الجديدة) حي الرمال حالياً ، فقد كانت غزة في السابق لا تحتاج إلى التوسع خارج حدودها القديمة لأن سكانها لا يتزايدون بنسبة عالية وذلك بسبب الأوبئة التي تجتاح البلاد بين حين وآخر ، ولما استتب الأمن وتحسنت طرق العلاج في أوائل القرن العشرين ازداد عدد السكان ، فاقتضى الأمر توسعة المدينة خارج نطاقها القديم .

لهذا رأي بعض قادة الرأي في البلد وعلي رأسهم رئيس البلدية فهمي الحسيني بما أوتوا من حكمة وبصيرة أن يتجاوزوا الأراضي الزراعية ، ويعملوا على إعمار المناطق الرملية والتي تبعد نحو ميل عن المدينة ، وكانت تلك الأراضي ملكاً للحكومة وتتكون من كثبان رملية تمتد حتى شاطئ البحر ، ولتشجيع الإعمار هناك أنشأت البلدية حديقة عامة (المنتزه) علي أرض واسعة اشتراها فهمي الحسيني من أقربائه بسعر زهيد لحساب البلدية .

وحسب المشروع المقترح في أوائل الثلاثينات من القرن العشرين ، قسمت أراضي الرمال إلى قسائم للبناء وأعلن عن بيع تلك القسائم للراغبين في البناء بثمن زهيد (3-5) جنيهات فلسطينية للقسيمة ، بحيث يدفع المشتري جنيهاً واحداً ويقسط الباقي على أقساط تصل إلى 20قسطاً ، على أن لا يتم تنازل الحكومة للمشتري في دائرة تسجيل الأراضي إلا بعد قيام المشتري ببناء مسكن مستوف للشروط الصحية .

ولعل السبب وراء إصرار السيد فهمي الحسيني علي شراء الأراضي في تلك المنطقة هو أن الحكومة البريطانية كانت بصدد إنشاء مشروع استيطاني يهودي فيها ، وعلي العموم لم تكن حكومة الانتداب البريطاني راضية عنه أو مطمئنة إليه فعملت علي اعتقاله وإبعاده خارج البلاد في بلدة صرفند في عام 1938 بصفته أحد أقطاب المعارضة لسياسة بريطانيا وتم عزله عن منصب رئاسة البلدية سنة 1939.

وفي 25 ديسمبر1940 فاضت روحه إلى بارئها ودفن في مقبرة باب البحر عند قبور أسلافه ، وقد رثاه الشيخ عثمان الطباع مؤلف موسوعة (إتحاف الأعزة في تاريخ غزة )
بأبيات من الشعر يقول في بعضها :

لحـد حوي ركناً عظيماً ماجداً.................حـاز المكارم والمفاخر والسعود
فهمي الحسيني فرع أرباب العـلا......... سامي المعارف والمدارك والجدود

ومن بعد ما استعرضناه لكم من خلال التقرير آلا يستحق حاكم ومحامى غزة فهمي بيك الحسيني ، اقل تقديرا منا بان نحتفظ بإطلاق اسمه على احد أشهر شوارع غزة ،والذي سيرتبط اسمه بهذا الشارع إلى الأجيال القادمة .